وجدت نفسي يوم العيد افقد زمام عواطفي تماما.لم أكن أتوقع كمية الأحزان التي بداخلي, أن تكون بهذا الحجم وهذه المرارة كلها.اسودت الدنيا بوجهي فجأة, وشعرت بالغضب على الحياة وعلى نفسي وحقد أعمى على الآخرين, ومكثت في غرفتي أذرف دموعا حانقة.
طرق باب غرفتي..ودخل..
حدثني برقة وعطف. لم أكن أفهم مايقول, لكن صوته الحنون ونبرته الصادقة هدآني.. ذكراني بوالدي. فجأة أنتبه لكلامه, حاولت التركيز على مايقوله لي, ووجدت نفسي أتأثر به وأشعر براحة تغمر كياني. طمأنينة ..راحة لاأعرف كيف وجدت طريقها الى ذاتي المنهزمة..المنكسرة.
حين صمت, كنت استعدت الكثير من ثقتي بنفسي, وطردت الأفكار السوداء التي بدأت تعشعش في داخلها.
فكثيرا ماحاولت تجاهل وجوده في حياتي, ولكنه لم ييأس. بقيت ابتسامته تطاردني, وظل يصب من نبع حنانه علي وعلى أختي بالتساوي. كثيرا ماكانت أختي تلومني وتعاتبني على عنادي وتصرفي الطفولي. ومازالت كلماتها تتردد في داخلي دوما:
" لن يجديك نفعا أن تدفني رأسك في الرمال أمام كل تغير في حياتنا, اكبري ياأختي..أنتِ لم تعودي طفلة. واجهي الدنيا والناس برأس مرفوع, وتقبلي عمي كوالد لنا!"
كنت أصرخ وأطردها من غرفتي, وأرفض أن يحتل أحد مكانة أبي بحياتي وقلبي.
بعد مرور أكثر من عشر سنوات, لوجوده في حياتي, أشعر اليوم لأول مرة به قريب مني. لأول مرة لا يضايقني اقترابه مني, أو حديثه معي, لأول مرة أشعر أنني أريد أن أبكي على صدره, كما كنت أفعل في حياة أبي.
"عمي..هل ستغفر لي يوما؟!"
نظر الي وابتسم ابتسامته الأبوية الحنونة.
"هل تسمحين أن يكون لي دورا في حياتكِ؟!"
تدمع عيناي, انني أبكي بسهولة, أنهزم بسهولة, عندما أذكر أبي, لكنني لم أكن أريد أن أظل وحيدة بين ذئاب بشرية.
لم أتخل عن عزلتي وعالمي الخاص تماما, لكنني أصبحت أرى الدنيا من حولي بعيون أخرى. أصبحت أدرك أنني بحاجة الى عمي في حياتي, أكثر مما أنا بحاجة الى أبي وهو بعيد عني. وأدركت أن حبي لأبي لن يتغير بحبي لأشخاص آخرين. اليوم كسبت قلب وصدر حنون..انتظرني طويلا في زحمة هذه الحياة.